
الفن في اللغة بحسب قاموس المعاني الجامع: هو اسم يطلق على “جملةُ الوسائل التي يستعملها الإِنسان لإِثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال، كالتصوير والموسيقى والشعر”، وهو بحسب قاموس (أوكسفورد): “التعبير أو التطبيق للمهارة الإبداعية والخيال لدى البشر منتجةً أعمالاً يتم تقديرها على أساس جمالها أو قوتها الشاعرية وعادة تكون على شكل مرئي مثل لوحة أو منحوتة”. والفلسفة في اللغة بحسب قاموس المعاني الجامع: “كَلِمَةٌ تَعْنِي فِي الأَصْلِ الْحِكْمَةَ، مَحَبَّةَ الْحِكْمَةِ، وَصَارَ يُقْصَدُ بِهَا كُلُّ الأَفْكَارِ الْمُسْتَنْبَطَةِ بِالْعَقْلِ وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ حَوْلَ الْمَوْجُودَاتِ وَمَبَادِئِهَا وَعِلَلِهَا”، وهي بحسب قاموس (أوكسفورد) تعني: “الدراسة لطبيعة ومعنى الكون وحياة الإنسان”، وطبقاً لموسوعة (ويكيبيديا) بأن الفسلفة مقتبسة من الكلمة اليونانية “φιλοσοφία” وتنطق “فيلوسوفيا” (philosophia) وتعني: حب الحكمة.
أما الاستاطقية أو الإستاطيقا فهي علم أو فلسفة الجمال أو بالإنجليزية (Aesthetics)، وتعريف فلسفة الفن محل جدال في الفلسفة المعاصرة لكن سأنقل لكم أحد تعاريفها من موقع الباحثون السوريوون “تُعرف فلسفة الفن بكونها دراسة الفن بطبيعته، متضمنةً ما فيه من مفاهيمَ تفسيريَّةٍ وتمثيلية وتعبيرية وشكلية، وهي بذلك أقربُ ما تكون إلى علم الجمال (الدراسة الفلسفية للتذوق والجمال)”، والأسئلة التي تناقشها الاستيتيقيا أو فلسفة الفن هي: متى يعتبر العمل فناً؟ هل يمكن للفنان أن يخدم أغراضاً أخرى أو أنه فن لمجرد الفن؟ من يحدد معنى القطع الفنية؟ الفنان أم الجمهور؟ متى تعتبر القطعة الفنية جميلة؟ وغيرها الكثير من الأسئلة الفلسفية التي تدور حول ماهية الفن، ولفهم الفن علينا أن نفهم طبيعة الإنسان، فالجمال له معنى روحي ويحمل روحاً وحياة وأحاسيس خالجت الفنان أثناء صناعتها.
لفهم فلسفة الفن علينا العودة للوراء إلى اليونان القديمة حيث برع اليونانيون في كلٍّ من الفنون والفلسفة، وللقراءة عن فلسفة الفنون عند اليونانيين أنصح بقراءة مقال النظريات اليونانية في فلسفة الفن على موقع مؤسسة هنداوي؛ لأنه موضوع قائم بحد ذاته، أما الخلاصة فسأذكرها هنا. نبدأ بسقراط حيث قال إن الشعر مستلهم من آلهة الإلهام المعروفة بالميوزات بحسب المثيولوجيا الإغريقية القديمة وليس عقلانياً، وأبدى استياءه من (هوميروس) علناً وهو من أكبر الشعراء اليونانيين في عصره. وقال أرسطو في حوار (أيون) الذي دونه (أفلاطون) أن الإلياذة الخاصة بهوميروس -وهي ملحمة شعرية تحكي قصة طروادة- تعتبر كتاباً مقدساً كما هو حال الإنجيل عند المسيحيين؛ حيث كان اليونانيون يستقون الأخلاقيات من الشعر والشعراء. كما عبر أفلاطون أيضاً عن عدم ثقته في الشعراء وأنهم يتحدثون عن أشياء لا يعلمون عنها شيئاً. في نظر المدرسة الأفلاطونية: الفلاسفة هم الذين يعلمون الفرق بين الواقع والخيال؛ لذلك لم يؤمن بأن العامة من الشعب اليوناني يجب أن يستقي أخلاقياته ويتثقف على أيدي الشعراء بل على أيدي الفلاسفة، ويرى (أفلاطون) أيضاً أن الفن يعتمد على المشاعر فقط، والمفترض أن يكون الجزء العقلاني في المقدمة دائماً، كما قال (أرسطو) بأن الشاعر يستطيع نسخ ظاهر الحقائق فقط مثل نسخه لشخصية زوج وزوجته بشكلها الظاهري لكنه لا يعلم حقيقة عن ماذا يكتب، وهناك الكثير من الأبحاث والأوراق العلمية التي أسهبت في ذكر منطق (أفلاطون) و(أرسطو) عن مفهوم التشبيه أو النسخ عند الشعراء أو الفنانين وكون الطبيعة ملهمهم الأول أو بالإنجليزية: (The concept of imitation in Plato and Aristotle)
إذاً فمنذ العصور القديمة -منذ نشأة الفن والفلسفة- لم يكونا على وفاق، بل اعتبرا أنداداً لبعضهما البعض، أما في العصور الوسطى وقت انتشار الديانة المسيحية: لم يكن للأستاطيقا أو الجماليات أو فلسفة الفن وجود؛ فقد سخر الفن بالكامل لخدمة الأغراض الدينية وكل ما يحيد عن ذلك لم يكن فناً، حتى القرن الثامن عشر وبالتحديد في (لندن) عندما وضعت نظرية الاستاطيقة الحديثة، وتعتبر أول نموذج فني حديث على يد الفيلسوف (بومجارتن) في كتابه “تأملات فلسفية” حيث فصل بين علم الجمال أو كما أطلق عليه (Aesthetics) أو الاستاطيقة -وهو فرع مهتم بالجمال وبالذائقة والفن والطبيعة- وبين فروع العلوم الأخرى، ففي علم الأستاطيقا يتم اختبار الحكم على الحس والذائقة، تعتبر فلسفة الفن أو الإستاطيقة من الحقول الحديثة رغم تاريخها العريق؛ إذ تعتبر حقلاً قديماً وحديثاً في آنٍ واحد، ومن بعد (هيغل) -وهو فيلسوف ألماني ولد عام 1770- أصبحت الإستاطيقة وفلسفة الفن مترادفان لشيء واحد، بالرغم أن العديد يزعم أنهما حقلين مختلفين؛ حيث النقد الإستاطيقي يهتم بالحكم على أي كينونة أو كائن بعكس النقد الفني الذي يهتم بنقد أو تقدير أو التعرف على الفن أو القطع الفنية فقط، فالإستاطيقة ضُمن بجوهرها الفلسفة لكن الفن كيان مستقل عن الفلسفة لأنه يتعامل من الحواس وهو محرر من الأخلاقيات أو الأغراض السياسية، لهذا يوجد مفهومان للفن في الإستاطقيا: الفن كمعرفة، والفن كفعل. لكن الإستاطقية ليست نظرية معرفية ولا أخلاق. نقفز الآن إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ حيث قال (بينديتو كروتشه) في عمله جوهر الجماليات أو بالإيطالية (Breviario di estetica) بأنه يفضل الفنون على العلوم أو الميتافيزيقيا؛ لأنها تهذبنا وتثقفنا، حيث بدأ (كروتشه) بالتاريخ، فالأدب فالفلسفة وبالتحديد فلسفة الفن أو الإستاطقية، كما أنه يرى أن الفنون تقدم لنا الجمال والعلوم تقدم لنا الفائدة.
كما قال (آرثر سي. دانتو) -وهو أستاذ جامعي جونساني -وهو يقدر بشدة أعمال المؤلف د. (سامويل جونسون)- للفلسفة في جامعة (كولومبيا) في الولايات المتحدة الأمريكية: منذ سنوات ليست ببعيدة كانت تعرف فلسفة الفن بالأستاطيقة أو بالإنجليزية (aesthetics) وتعني الجماليات، لكن تم اعتبارها نسلاً مختلفاً لوالدين ساحرين – والمقصود هنا أنه تم اختزال مصطلح جميل مكون من كلمتين إلى كلمة واحدة- وأصبحت الفلسفة في القرن العشرين مهنية وتقنية، ووسائلها نموذجية وتحليلها يهدف إلى اكتشاف أبسط الهياكل الأساسية للفكر واللغة والمنطق والعلم، وبدت الأسئلة الفلسفية عن الفن هامشية والإجابات غائمة، غائمة للغاية لأولئك الذين علقوا في تجديد الرسم والموسيقى والأدب ليجدوا مساعدة باذخة في الانعكاسات الباهتة والتي عفى عليها الزمن لمتخصصي الجماليات، وفي عام 1954 نشر الفيلسوف (جون باسمور) ورقة بعنوان “الكآبة في الجماليات” ولابد أنه كان في هذا الوقت حينما قام الرسام خفيف الظل (بارنت نيومان) بقول مقولته الأكثر شهرة “الجماليات للفن كعلم الطيور للطيور”، شخص سخريته تتضاءل حدتها اليوم بسبب حقيقة أن الابتذال الذي أراد إيصاله خفت صداه من كثرة إعادة تكرار عبارته.
كم جميل من الفن والفلسفة والعذوبة سلمت أناملك ياغالية ❤️🙏🏼
إعجابإعجاب
شكراً جزيلاً لك عزيزتي أماني ☁️✨
إعجابإعجاب